لعل أخطر أو أسوأ ما يمكن أن يواجه الوضع الفلسطيني الراهن هو تكريس الانقسام القائم على مستوى السلطة والقيادة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك بالرغم من أن القيادتين والسلطتين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة تؤكدان الوحدة وعدم تكريس هذا الانقسام السياسي والواقعي مع ما يكتنفه من تدافع وصراع واتهامات عدائية متبادلة.
هذا يعني أن ثمة مسافة واسعة بين ما يعلن من موقف وحدوي وما يمارس على الأرض، بقصد أو من دون قصد، من تكريس للانقسام القائم.
"
أخطر أو أسوأ ما يمكن أن يواجه الوضع الفلسطيني الراهن هو تكريس الانقسام القائم على مستوى السلطة والقيادة في كل من الضفة وغزة
"
وقد أغلق من جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس باب الحوار واضعا شروطا مسبقة ترفضها حماس، قبل الدخول في أي حوار.
وهذا ما لم توافقه عليه الأطراف العربية، وأساسا مصر والسعودية، الداعية إلى الحوار، وكذلك روسيا التي عرضت وساطتها في أثناء زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لها مؤخرا.
لم يسبق في أغلب التجارب، ولاسيما في كل التجارب الفلسطينية، أن حدث انقسام داخلي، ثم بدأ حوار بعد أن رضخ أحد الطرفين للشروط الكاملة المسبقة التي وضعها الطرف الآخر حتى يقبل بمحاورته.
فكل حوار يبدأ بلا شروط مسبقة، وإنما بتفاهم مبدئي مسبق -يتم عبر حوار مباشر أو غير مباشر أو من خلال وسطاء- يمهد للحوار.
أما أن يطلب من الطرف الآخر الرضوخ لشروط مسبقة رضوخا كاملا ومعلنا، فهذا يعني أن يأتي إلى طاولة الحوار مستسلما رافعا يديه ومن ثم ما الحاجة إلى الحوار؟ إذ الأمر يعني أن لا حوار مطلقا وليواصل كل طريقته في المواجهة.
وترجمة ذلك في الواقع الفلسطيني الراهن هو تكريس الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية، وما سيترتب على ذلك من مكاسرة وتداعيات ونتائج تتناقض مع ما يُبدى من حرص على الوحدة وعدم الاعتراف بحالة الانقسام.
ومن هنا فإن الضغوط الفلسطينية والعربية والإسلامية، على المستويين الشعبي والرسمي يجب أن تتصاعد وتتضاعف من أجل الحوار غير المشروط الذي يؤمّن الندية وكرامة كل طرف, وهذان هما اللذان يسمحان بالمساومة والتنازل والتفاهم والتسويات من أجل تحقيق الوحدة والخروج من الانقسام.
إن من يراجع ما يقوله الطرفان المتواجهان في السياسة والممارسة راهنا، وفي تفاصيل ما حدث في قطاع غزة، يجد أن الانقسام الراهن قابل للتفاقم، ولأمد طويل ولا مجال للحسم.
ومن ثم لا جدوى من الدخول في التفاصيل التي لا يمكن ضبطها أو التحقق منها بدقة، فضلا عن أن الخلاف السياسي مع الانقسام الراهن آخذ في الاتساع خصوصا مع السياسات الأميركية الإسرائيلية التي عبرت عنها مبادرة بوش لعقد مؤتمر دولي يتناول الموضوع الفلسطيني، أو التي تكشّفت عنها زيارة وزير الدفاع ووزيرة الخارجية الأميركيين لكل من مصر والسعودية، وزيارة كوندوليزا رايس للكيان الصهيوني لإعادة إطلاق المفاوضات بين أولمرت وعباس.
هذه السياسات الأميركية الإسرائيلية جاءت من جهة لإنقاذ موقفي إدارة بوش وحكومة أولمرت بعد فشل إستراتيجية السنوات الست الماضية لاسيما في فلسطين ولبنان والعراق.
وجاءت من جهة أخرى لتصب الزيت على نار الانقسام الفلسطيني من خلال إعطاء محمود عباس وحكومة سلام فياض ما يشجعهما على إدارة الظهر للمطلب العربي الذي دعا إلى الحوار (مصر والسعودية أساسا) كما يدفعهما إلى الحرب ضد حماس حتى النهاية.
إنه الطريق الانتحاري الذي سوف يفرض على عباس التراجع عن إدارة الظهر للعرب والحرب على حماس مهما عاند في رفض الحوار.
وبهذا لم تعد المشكلة معالجة ذيول ما حدث في قطاع غزة، وإنما أصبحت الموقف من السياسات الأميركية الإسرائيلية "الجديدة" المشار إليها.
وهذه تتعدى الموضوع الفلسطيني (وإن راحت تستخدمه طعما) إلى لبنان والعراق والصومال والسودان وإلى العلاقات الأميركية العربية والإسرائيلية العربية، وصولا إلى التحضير للحرب ضد إيران إذا لم تسلم برنامجها النووي بالكامل حتى لو تأكد يقينا أنه للأغراض السلمية حصرا[u]